فصل: تفسير الآيات (15- 17):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآية رقم (10):

{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)}
{إِنَّ الذين فَتَنُواْ المؤمنين والمؤمنات} إن كانت هذه الآية في أصحاب الأخدود فالفتنة هنا بمعنى الإحراق، وإن كانت في كفار قريش فالفتنة بمعنى المحنة والتعذيب، وهذا أظهر لقوله: ثم لم يتوبوا، لأن أصحاب الأخدود لم يتوبوا بل ماتوا على كفرهم. وأما قريش فمنهم من أسلم وتاب، وفي الآية دليل على أن الكافر إذا أسلم يغفر له ما فعل في حال كفره لقوله صلى الله عليه وسلم: «الإسلام يجبُّ ما قبله» {وَلَهُمْ عَذَابُ الحريق} يحتمل أن يكون في الآخرة، فيكون تأكيداً لعذاب جهنم، أو نوعاً من العذاب زيادة إلى عذاب جهنم. ويحتمل أن يريد في الدنيا، وذلك على رواية أن الكفار أصحاب الأخدود أحرقتهم النار.

.تفسير الآيات (12- 15):

{إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15)}
{إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} البطش الأخذ بقوة وسرعة {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ} أي يبدئ الخلق بالنشأة الأولى، ويعيدهم بالنشأة الآخرة للبعث، وقيل: يبدئ البطش ويعيده أي يبطش بهم في الدنيا والآخرة، والأول أظهر وأرجح لقوله: {إِنَّهُ يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ} [يونس: 4] وقد ذكرنا الودود في اللغات {ذُو العرش المجيد} أضاف العرش إلى الله وخصة بالذكر لأن العرش أعظم المخلوقات، والمجيد من المجد وهو الشرف ورفعة القدر، وقرئ المجيد بالرفع صفة لذو العرش وقرأ حمزة والكسائي بالخفض صفة للعرش.

.تفسير الآية رقم (17):

{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17)}
{هَلُ أَتَاكَ} توقيف يراد به التنبيه وتعظيم الأمر، والمراد بذكر الجنود تهديد الكفار وتأنيس النبي صلى الله عليه وسلم.

.تفسير الآية رقم (20):

{وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20)}
{والله مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ} تهديد لهم معناه لا يفوتونه بل يصيبهم عذابه إذا شاء.

.تفسير الآية رقم (22):

{فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)}
{فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ} يعني اللوح المحفوظ الذي في السماء وقرئ محفوظ بالخفض صفة للوح وقرأ نافع محفوظ بالرفع صفة للقرآن، أي حفظه الله من التبديل والتغيير، أو حفظه المؤمنون في صدورهم.

.سورة الطارق:

.تفسير الآيات (1- 4):

{وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4)}
{والسمآء والطارق} هذه السماء التي أقسم الله بها هي المعروفة. وقيل: أراد المطر لأن العرب قد تسميه سماء، وهذا بعيد والطارق في اللغة ما يطرق أي يجيء ليلاً، وقد فسره الله هنا بأنه النجم الثاقب وهو يطلع ليلاً، ومعنى الثاقب: المضيء أو المرتفع، فقيل: أراد جنس النجوم وقيل: الثريا لأنه الذي تطلق عليه العرب النجم، وقيل: زحل {إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} هذا جواب القسم ومعناه عند الجمهور: أن كل نفس من بني آدم عليها حافظ يكتب أعمالها، يعني: الملائكة الحفظة وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية: أن لكل نفس حفظة من الله يذبون عنها كما يذب عن العسل، ولو وكل المرء إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الآفات والشياطين وإن صح هذا الحديث فهو المعوّل عليه. وقرئ لما عليها بتخفيف الميم، وعلى هذا تكون إن مخففة من الثقيلة واللام للتأكيد وما زائدة وقرئ لما بالتشديد وعلى هذا تكون إن نافية ولما بمعنى الايجاب بعد النفي.

.تفسير الآيات (5- 8):

{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8)}
{فَلْيَنظُرِ الإنسان مِمَّ خُلِقَ} حذف ألف ما لأنها استفهامية وجوابها خلق من ماء دافق، وسمي المني ماء دافقاً من الدفق، بمعنى الدفع، فقيل: معناه مدفوق وصاحبه هو الدافق في الحقيقة قال سيبويه: هو على النسب أي ذو دفق، وقال ابن عطية: يصح أن يكون الماء دافقاً لأن بعضه يدفع بعضاً، ومقصود الآية إثبات الحشر، فأمر الإنسان أن ينظر أصل خلقته ليعلم أن الذي خلقه من ماء دافق قادر على أن يعيده، ووجه اتصال هذا الكلام بما قبله أنه لما أخبر أن كل نفس عليها حافظ يحفظ أعمالها بالتنبيه على الحشر حيث تجازى كل نفس بأعمالها {يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصلب والترآئب} الضمير في يخرج للماء وقال ابن عطية: يحتمل أن يكون للإنسان، وهذا بعيد جداً والترائب: عظام الصدر واحدها: تربية وقيل: هي الأطراف كاليدين والرجلين، وقيل: هي عصارة القلب، ومنها يكون الولد، وقيل: هي الأضلاع التي أسفل الصلب، والأول هو الصحيح المعروف في اللغة، ولذلك قال ابن عباس: هي موضع القلادة ما بين ثديي المرأة، ويعني صلب الرجل وترائبه وصلب المرأة وترائبها، وقيل: أراد صلب الرجل وترائب المرأة {إِنَّهُ على رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} الضمير في إنه لله تعالى وفي رجعه للإنسان، والمعنى: أن الله قادر على رجع الإنسان حياً بعد موته، والمراد إثبات البعث.

.تفسير الآيات (9- 13):

{يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (10) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13)}
{يَوْمَ تبلى السرآئر} يعني: القيامة، والسرائر جمع سريرة وهي ما أسرّ العبد في قلبه من العقائد والنيات، وما أخفى من الأعمال وبلاؤها هو تعرّفها والاطلاع عليها، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن السرائر الإيمان والصلاة والزكاة والغسل من الجنابة وهذه معظمها. فلذلك خصّها بالذكر، والعامل في يوم قوله: رجعه أي يرجعه يوم تبلى السرائر، واعترض بالفصل بينهما. وأجيب بقوة المصدر في العمل، وقيل: العامل قادر واعترض بتخصيص القدرة بذلك اليوم، وهذا لا يلزم لأن القدرة وإن كانت مطلقة فقد أخبر الله أن البعث إنما يقع في ذلك اليوم. وقال من احترز من الاعتراضين في القولين المتقدمين: العامل فعل مضمر من المعنى تقديره: يرجعه يوم تبلى السرائر، وهذا كله على المعنى الصحيح في رجعه، وأما على الأقوال الأخر فالعامل في يوم مضمر تقديره: اذكر {فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ} الضمير للإنسان، ولما كان دفع المكاره في الدنيا إما بقوة الإنسان أو بنصرة غيره له أخبره الله أنه يعدمها يوم القيامة {والسمآء ذَاتِ الرجع} المراد بالرجع عند الجمهور المطر وسماه رجعاً بالمصدر، لأنه يرجع كل عام أو لأنه يرجع إلى الأرض، وقيل: الرجع السحاب الذي فيه المطر، وقيل: هو مصدر رجوع الشمس والكواكب من منزلة إلى منزلة {والأرض ذَاتِ الصدع} يعني ما تصدع عنه الأرض من النبات، وقيل: يعني ما في الأرض من الشقاق والخنادق وشبهها {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} الضمير للقرآن، لأن سياق الكلام يقتضيه، والفصل معناه الذي فصل بين الحق والباطل كما قيل له: فرقان. والهزل: اللهو يعني أن جِدٌّ كله.

.تفسير الآيات (15- 17):

{إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)}
{إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً} الضمير لكفار قريش، وكيدهم هو ما دبروه في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإضرار به وإبطال أمره {وَأَكِيدُ كَيْداً} هذا تسيمة للعقوبة باسم الذنب، للمشاكلة بين الفعلين {فَمَهِّلِ الكافرين} أي لا تستعجل عليهم بالعقوبة لهم أو بالدعاء عليهم، وهذا منسوخ بالسيف {أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} أي إمهالاً يسيراً قليلاً يعني إلى قتلهم يوم بدر، أو إلى الدار الآخرة، وجعله يسيراً، لأن كل آتٍ قريب، ولفظ رويداً هذا صفة لمصدر محذوف، وقد تقع بمعنى الأمر بالتساهل كقولك: رويداً يا فلان، وكرّر الأمر في قوله: أمهلهم وخالف بينه وبين لفظ مهل لزيادة التسكين والتصبير، قاله الزمخشري.

.سورة الأعلى:

.تفسير الآية رقم (1):

{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)}
{سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى} التسبيح في اللغة التنزيه وذكر الاسم هنا يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون المراد المسمى ويكون الاسم صلة كالزائد، ومعنى الكلام سبح اسم ربك أي نزهه عما لا يليق به، وقد يتخرج ذلك على قول من قال: إن الاسم هو المسمى، والآخر أن يكون الاسم مقصوداً بالذكر، ويحتمل المعنى على هذا أربعة أوجه، الاول: تنزيه أسماء الله تعالى عن المعاني الباطلة كالتشبيه والتعطيل، الثاني: تنزيه أسماء الله عن أن يسمى بها صنم أو وثن. الثالث: تنزيه أسماء الله عن أن تدرك في حال الغفلة دون خشوع. الرابع أن المراد قول سبحان الله، ولما كان التسبيح باللسان لابد فيه من ذكر الاسم أوقع التسبيح على الاسم، وهذا القول هو الصحيح، ويؤيده ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قرأ هذه الآية قال: «سبحان ربي الأعلى» وأنها لما نزلت قال: «اجعلوها في سجودكم» فدل ذلك على أن المراد هو التسبيح باللسان مع موافقة القلب، ولابد في التسبيح باللسان من ذكر اسم الله تعالى؛ فلذلك قال: سبح اسم ربك الأعلى، مع أن التسبيح في الحقيقة إنما هو لله تعالى لا لاسمه، وإنما ذكر الاسم لأنه هو الذي يوصل به إلى التسبيح باللسان. وعلى هذا يكون موفقاً في المعنى لقوله: {فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ} [الواقعة: 74] لأن معناه نزّه الله بذكر اسمه ويؤيد هذا ما روي عن ابن عباس أن معنى سبح: صل باسم ربك أي صل واذكر في الصلاة اسم ربك، والأعلى يحتمل أن يكون صفة للرب أو للاسم والأول أظهر.

.تفسير الآيات (2- 5):

{الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5)}
{الذي خَلَقَ فسوى} حذف مفعول خلق وسوّى لقصد الإجمال الذي يفيد العموم والمراد خلق كل شيء فسوّاه، أي اتقن خلقته وانظر ما ذكرنا في قوله: {فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} [الانفطار: 7] {والذي قَدَّرَ فهدى} قدّر بالتشديد يحتمل أن يكون من القدر والقضاء، أو من التقدير، والموازنة بين الأشياء، وقرأ الكسائي بالتخفيف فيحتمل أن يكون من القدرة أو للتقدير، وحذف المفعول ليفيد العموم. فإن كان من التقدير فالمعنى: قدّر لكل حيوان ما يصلحه فهداه إليه وعرّفه وجه الانتفاع به، وقيل: هدى الناس للخير والشر والبهائم للمراتع، وهذه الأقوال أمثلة والأول أعم وأرجح، فإن هداية الإنسان وسائر الحيوانات إلى مصالحها باب واسع فيه عجائب وغرائب، وقال الفراء: المعنى هدى وأضلّ، واكتفى بالواحدة لدلالتها على الأخرى وهذا بعيد {والذي أَخْرَجَ المرعى * فَجَعَلَهُ غُثَآءً أحوى} المرعى هو النبات الذي ترعاه البهائم، والغثاء هو النبات اليابس المحتطم، وأحوى معناه أسود وهو صفة لغثاء، والمعنى أن الله أخرج المرعى أخضر فجعله بعد خضرته غثاء أسود، لأن الغثاء إذا قدم تعفن واسودّ، وقيل: إن أحوى حال من المرعى، ومعناه: الأخضر الذي يضرب إلى السواد، وتقديره: الذي أخرج المرعى أحوى فجعله غثاء، وفي هذا القول تكلف.

.تفسير الآيات (6- 8):

{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8)}
{سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى} هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وعده الله أن يقرئه القرآن فلا ينساه، وفي ذلك معجزة له عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كان أمياً لا يكتب، وكان مع ذلك لا ينسى ما أقرأه جبريل عليه السلام من القرآن، وقيل: معنى الآية كقوله: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} [القيامة: 16] الآية: فإن عليه الصلاة والسلام كان يحرك به لسانه إذا أقرأه جبريل، خوفاً أن ينساه فضمن الله له أن لا ينساه، وقيل: فلا تنسى نهي عن النسيان، وقد علم الله أن ترك النسيان ليس في قدرة البشر، فالمراد الأمر يتعاهده حتى لا ينساه. وهذا بعيد لإثبات الألف في تنسى {إِلاَّ مَا شَآءَ الله} فيه وجهان: أحدهما أن معناه لا تنسى؛ إلا ما شاء الله أن تنساه كقوله: {أَوْ نُنسِهَا} [البقرة: 106] والآخر: أنه لا ينسى شيئاً ولكن قال: إلا ما شاء الله تعظيماً لله بإسناد الأمر إليه كقوله في [الأنعام: 128] {خالدين فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ الله} على بعض الأقوال وعبر الزمخشري عن هذا بأنه من استعمال التقليل في معنى النفي، والأول أظهر فإن النسيان جائز على النبي صلى الله عليه وسلم فيما أراد الله أن يرفعه من القرآن، أو فيما قضى الله أن ينساه ثم يذكره، ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «حين سمع قراءة عباد بن بشير رحمه الله: لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت قد نسّيتها» {وَنُيَسِّرُكَ لليسرى} عطف على سنقرؤك ومعناه نوفقك للأمور المرضية التي توجب لك السعادة، وقيل: معناه للشريعة اليسرى من قوله عليه الصلاة والسلام: «دين الله يسر» أي سهل لا حرج فيه.

.تفسير الآيات (9- 13):

{فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (13)}
{فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذكرى} المراد بهذا الشرط توبيخ الكفار الذين لا تنفعهم الذكرى، واستبعاد تأثير الذكرى في قلوبهم كقولك: قد أوصيتك لو سمعت، وقيل: المعنى: ذكر إن نفعت الذكرى وإن لم تنفع. واقتصر على أحد القسمين لدلالة الآخر عليه، وهذا بعيد وليس عليه الرونق الذي على الأول.
{سَيَذَّكَّرُ مَن يخشى} أي من يخاف الله {وَيَتَجَنَّبُهَا الأشقى} يعني الكافر وقيل: نزلت في الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة، والضمير للذكرى {النار الكبرى} هي نار جهنم وسماها كبرى بالنظر إلى نار الدنيا، وقيل: سماها كبرى بالنظر إلى غيرها من نار جهنم، فإنها تتفاضل، وبعضها أكبر من بعض وكلا القولين صحيح. إلا أن الأول أظهر. ويؤيده قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ناركم هذه التي توقدون جزءاً من سبعين جزءاً من نار جهنم» {لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا} أي لا يموت فيستريح، ولا يحيا حياة هنيئة، وعطف هذه الجملة بثم لأن هذه الحالة أشد من صلي النار فكأنها بعده في الشدة.

.تفسير الآيات (14- 15):

{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)}
{قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى} يحتمل أن يكون بمعنى الطهارة من الشرك والمعاصي، أو بمعنى الطهارة للصلاة أو بمعنى أداء الزكاة وعلى هذا قال جماعة: إنها يوم الفطر والمعنى أدّى زكاة الفطر {وَذَكَرَ اسم رَبِّهِ} في طريق المصلى إلى أن يخرج الإمام وصلى صلاة العيد، وقد روي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل المراد أدى زكاة ماله وصلى الصلوات الخمس.

.تفسير الآية رقم (18):

{إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18)}
{إِنَّ هذا} الإشارة إلى ما ذكر من التزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة، أو إلى ما تضمنته السورة أو إلى القرآن بجملته، والمعنى أنه ثابت في كتب الأنبياء المتقدمين كما ثبت في هذا الكتاب.

.سورة الغاشية:

.تفسير الآيات (1- 7):

{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7)}
{هَلْ أَتَاكَ} توقيف يراد به التنبيه والتفخيم للأمر، قيل: هل بمعنى قد وهذا ضعيف {الغاشية} هي القيامة لأنها تغشى جميع الخلق، وقيل: هي النار من قوله: {وتغشى وُجُوهَهُمُ النار} [إبراهيم: 50] وهذا ضعيف لأنه ذكر بعد ذلك قسمين: أهل الشقاوة وأهل السعادة {خَاشِعَةٌ} أي ذليلة {عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ} هو من النصب بمعنى التعب، وفي المراد بهم ثلاثة أقوال: أحدهما أنهم الكفار ويحتمل على هذا يكون عملهم ونصبهم في الدنيا لأنهم كانوا يعملون أعمال السوء ويتعبون فيها، أو يكون في الآخرة فيعملون فيها عملاً يتعبون فيه من جر السلاسل والأغلال وشبه ذلك ويكون زيادة في عذابهم. الثاني: أنها في الرهبان الذين يجتهدون في العبادة ولا تقبل منهم، لأنهم على غير الإسلام وبهذا تأولها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبكى رحمة لراهب نصراني رآه مجتهداً. فعاملة ناصبة على هذا في الدنيا، وناصبة إشارة إلى أجتهادهم في العمل، أو إلى أنه لا ينفعهم فليس لهم منه إلا النصب. الثالث أنها في القدرية. وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر القدرية فبكى وقال: إن فيهم المجتهد.
{تسقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} أي شديدة الحر، ومنه {حَمِيمٍ آنٍ}، [الرحمن: 44] ووزن آنية هنا فاعلة بخلاف «آنية من فضة» فإن وزنه أفعله {لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ} في الضريع أربعة أقوال: أحدهما أنه شوك يقال له الشبوق وهو سم قاتل وهذا أرجح لأقوال؛ لأن أرباب اللغة ذكروه ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الضريع شوك في النار. الثاني: أنه الزقوم لقوله: {إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم * طَعَامُ الأثيم} [الدخان: 43-44] الثالث: إنه نبات أخضر منتن ينبت في البحر وهذا ضعيف، لأن ما يجري في الوادي ليس بطعام إنما هو شراب، ولله در من قال: الضريع طعام أهل النار فإنه أعم وأسلم من عهده التعيين. واشتقاقه عند بعضهم من المضارعة، بمعنى المشابهة لأنه يشبه الطعام الطيب وليس به، وقيل: بمعنى مضرع للبدن أي مضعف وقيل: إن العرب لا تعرف هذا اللفظ، فإن قيل: كيف قال هنا: {ليس لهم طعام إلا من ضريع} وقال في الحاقة: {ولا طعام إلا من غسلين} فالجواب: أن الضريع لقوم والغسلين لقوم، أو يكون أحدهما في حال والآخر في حال {لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ} هذه الجمة صفة لضريع، ولطعام نفي عنه منفعة الطعام وهي التسمين وإزالة الجوع.